هذه حِكَمٌ من حكم الحياة التي سجّلتها على مرّ السنوات، لأنّي لم أتوقف يوماً عن كتابة كلّ ما أراه وأشعر به منذ تعلمت الكتابة، فأنثرها في قصائدي أو في كتاباتي أحفظها للأيام وأتعلم منها، وعندما أعيد قراءة ما كتبت أكتشف أنّ الحياة تغيّرت أشكالها وصورها كثيراً، ولكنّ معناها لم يتغير ولن يتغيّر فلهذا فإنّ هذه الحكمة خالدة لا تمحى.
(1)
يأتيك الرجلُ فتهابه عند أوّل نظرةٍ، ولكنّ سرعان ما تتلاشى هذه الهيبة عند أوّل كلمةٍ ينطقُ بها، إلا من وضع الله فيه الهيبة صامتاً ومتحدّثاً وهم قليلون جداً.
(2)
يظنُّ كلُّ رجلٍ في نفسه الكمال وإن قال بلسانه: «الكمال لله وحده»، وليس أدلّ على ذلك من غضبه عند أوّل نصيحةٍ توجّه له.
(3)
إنّ من أعجب الأمور وأوقعها على نفسي أن أرى من له شرفٌ في قومه ومكانةٌ بينهم، ينزل إلى درجة الوضيع الذليل الذي لا شرف له ولا كرامة، بأقوالٍ وأفعالٍ لا تليق بمثله.
(4)
إذا أحبّ الإنسانُ شيئاً عشق تملّكه، فإذا ملكه رأى الأشياء كلّها أفضل من هذا الشيء الذي أحبّه أوّل مرّة، وصدق القائل:
للنفسِ في الحكمِ الغريبِ تعلّقٌ
وسآمةُ المألوف منْ عاداتها
(5)
كلّما نظرتْ عينُ الرجل إلى وجه امرأةٍ جميلةٍ ظنّ قلبه أنّها تودّه وقد يظنّ أنّها وقعت في غرامه، فتراه يتغيّر لونه ويختلّ توازنه ويعمل أموراً غريبةً تُضحك الحزينَ منه وهو لا يدري، فإذا زال هذا العارض وفاق من سكرته ضحك هو من نفسه.
(6)
عندما يقترب قلبان من بعضهما يظنُّ المحبّان أنّه لا فراق، وليس هناك غير العناق والمحبّة، فإذا تغيّرت القلوب وتنافرت تساءل القلبان: كيف أحببتُ أنا هذا أو هذه، فسبحان الذي قلوب الخلائق في يده يقلبها كيف يشاء.
(7)
صحبة بعض الحمقى والمغفّلين أفضل بكثيرٍ من صحبة أهل المكر والضغائن، فالأحمق لا يضرّ إلا نفسه أما ذو الضغينة فضرره عظيمٌ على نفسه وعلى من يصحبه، فتأمّلوا.
(
«الأصدقاء تعرفهم عند الضيق» كما يقال، وأقول: إنّ الألم الذي يسببه خذلان الصديق على المرء أشدّ بكثير من النائبة التي حلّت به.
(9)
وذي الحياة كبحرٍ كلّهُ صدفٌ
ولستُ أعلمُ ماذا يحملُ الصدفُ
(10)
الحكمة لا تأتي بالقراءة ولا الدراسة أو الاستماع إليها؛ فربّ حكيمٍ بلسانه جاهلٍ بأفعاله، وربّ جاهلٍ في علمه حكيمٍ في فعله، إنّما الحكمة قولٌ وعملٌ وهي موهبةٌ من الله، قال تعالى: «يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً».